السبت، 31 أغسطس 2013

مدينة بلخ



قيل عن مدينة بلخ: إنها مدينة خراسان العظمى[1]، وسمّتها بعض المصادر بالإسكندرية لأن الاسكندر الأول قام ببنائها[2]. اشتهرت بخيراتها وغلالها الكثيرة التي تحمل إلى أنحاء خراسان وخوارزم[3]، وفيها أسواق وصناعات، ويتوسط المدينة المسجد وتحيطه الأسواق[4].
ومثل معظم المدن القديمة فللمدينة سور له أبواب ويمر بها نهر دهاس الذي يسقي رساتيقها، وتحف المدينة البساتين والكروم[5]. ومن أجمل وأشمل الأوصاف ذلك الوصف الذي ذكره المقدسي "بحسن موقعها وسعة طرقها وبهجة شوارعها وكثرة  أنهارها والتفاف شجرها وصفاء مائها وإشراق قصورها وسور مدينتها ومسجد جامعها وإحكام صنعته وجلالة موضعه، ليس بأقاليم العجم مثلها حسناً ويساراً"[6]. وأشهر مدن بلخ الجوزجان، والباميان، والفارياب وكابل وغزنة، وخلم[7].


[1]- اليعقوبي: البلدان، ص50؛ الحميري: الروض المعطار، ص96.
[2]- ابن الفقيه: البلدان، ص317؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، م1، ص713.
[3]- ياقوت الحموي: معجم البلدان، م1، ص713؛ البغدادي، صفي الدين عبد المؤمن بن عبدالحق (ت739هـ): مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، ط1، تحقيق وتعليق علي محمد البجاوي، مصر، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1373هـ/ 1954م، جـ1، ص217.
[4]- الحميري: الروض المعطار، ص96. 
[5]- الاصطخري: مسالك الممالك، ص155-156؛ ابن حوقل: صورة الأرض، ص373.
[6]- المقدسى: أحسن التقاسيم، ص302.
[7]- المقدسي: أحسن التقاسيم، ص195؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، م1، ص481.

مدينة مرو



تقع مدينة مرو فى الربع الشمالي لإقليم خراسان، وهي أيضا من أشهر مدن الإقليم، حتى قيل عنها "ملكة الدنيا"، إذ يمر بها نهر المرغاب الذي يتفرع إلى جداول عديدة[1]، ويرى البلدانيون أن المدينة القديمة تعود إلى ذي القرنين[2]. وسماها العرب "أم خراسان"[3]، واشتهرت بالمنسوجات الرقيقة "الشاهجاني"[4]، لذا اطلق عليها " مرو الشاهجان"، وتميزت بمساجدها الثلاثة[5]، وللمدينة أربعة أبواب، ويشير ابن حوقل إلى أهمية مرو العسكرية إذ كانت منطلق المسلمين في بداية الأمر حتى استقامت مملكة فارس للمسلمين[6]. أما مدن ربع مرو وكورها فأشهرها: ابيورد، آمل الشط، خوارزم، زم، سرخس، الطالقان، مرو الروذ، ونسا[7].


[1]- الاصطخري: مسالك الممالك، ص148؛ لسترنج: بلدان الخلافة الشرقية، ص439.
[2]- الاصطخري: مسالك الممالك، ص147؛ ابن الفقيه: البلدان، ص316؛ ابن حوقل: صورة الأرض، ص364؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، م4، ص507؛ ابن الوردي: خريدة العجائب، ص161.
[3]- الثعالبي: لطائف المعارف، ص401؛ ابن الوردي: خريدة العجائب، ص161؛ الحميري: الروض المعطار، ص532.
[4]- ياقوت الحموي: معجم البلدان، م4، ص507.
[5]- ابن حوقل: صورة الأرض، ص364؛ الحميري: الروض المعطار، ص533.
[6]- ابن حوقل: صورة الأرض، ص365.
[7]- المقدسي: أحسن التقاسيم، ص299؛ ياقوت الحموي: معجمم البلدان، م4، ص506.

مدينة هراة



عدت مدينة هراة واحدة من أعظم مدن خراسان، وأتخذها الولاة قصبة ولاية خراسان لأهميتها[1]، إذ امتازت بعمارتها وسعة مساحتها[2]، ولخص القزويني أهميتها بقوله: "ما كان بخراسان مدينة أجل ولا أعمر ولا أحصن ولا أكثر خيراً منها، بها بساتين كثيرة ومياه غزيرة"[3]. كما تمتعت هراة بنشاط وحركة تجارية مزدهرة مع باقي المدن الخراسانية، بل هي محط لإنزال الحمولات الآتية من فارس إلى خراسان[4].


[1]- اليعقوبي: البلدان، ص42؛ الاصطخري: مسالك الممالك، ص146؛ ابن حوقل: صورة الأرض، ص363، 366؛ المقدسي: أحسن التقاسيم، ص295، 298، 300.
[2]- اليعقوبي: البلدان، ص44؛ ابن رسته، أبو علي أحمد بن عمر (ت300هـ): الأعلاق النفيسة، ليدن، مطبعة بريل، 1893م، ص183.
[3]- آثار البلاد وأخبار العباد، ص481.
[4]- الاصطخري: مسالك الممالك، ص150؛ المقدسي: أحسن التقاسيم، ص324؛ معجم البلدان، م4، ص958.

مدينة نيسابور



 كانت مدينة نيسابور أكثر مدن خراسان أهمية، وهي التي تمثل الربع الغربي من خراسان، والتي يقال: إن اسمها نسبة إلى سابور* الذي قام ببنائها[1]، كما أطلق عليها أيضاً اسم "أبر شهر"[2]، وهناك من البلدانيين من يسميها "ايرانشهر"[3].
ووثقَّ كثير من المؤرخين ثراء نيسابور الاقتصادي ودورها العلمي فعدها الثعالبي "سُرة خراسان وغرتها"[4]، أما المؤرخ والجغرافي المقدسي، فوصف عمرانها وسعة مساحتها بقوله "وهي كورة واسعة جليلة الرساتيق والضياع والقنى"[5]، ويؤكد ذلك السمعاني بقوله: إنها "أحسن مدينة وأجمعها للخيرات بخراسان"[6]، وهذا الجغرافي الاصطخري يدون وصفة لطبيعتها وعمرانها، فيشير إلى أنها مدينة جميلة في مستوى الأرض وأبنيتها من طين، قديمة البناء وفيها ربض كبير آهل بالسكان يحيط بها، ومسجد جامع في ربضها ولها أربعة أبواب وهي عامرة بالرساتيق، وعد نيسابور "قلباً لما حولها من البلاد والأقطار"، مؤكداً أن ليس بخراسان مدينة أصح هواءً ولا أكبر من نيسابور. ويضم ربع نيسابور عدداً من المدن والرساتيق والكور مثل: باذغيس، بوشنج، طوس، قوهستان[7].


*- سابور هو ثاني ملوك الساسانيين الفرس. الطبري: تاريخ الرسل والملوك، جـ2، ص58: 61.
[1]- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، جـ2، ص58؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، جـ4، ص857؛ الحميري: الروض المعطار، ص88؛ شيخ الربوة: نخبة الدهر، ص225.
[2]- الاصطخري: مسالك الممالك، مج1، ص145؛ ابن حوقل: صورة الأرض، ص361.
[3]- المقدسي: أحسن التقاسيم، ص299؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، م2، ص857.
[4]- الثعالبى: لطائف المعارف، ص191.
[5]- المقدسى: أحسن التقاسيم، ص299.
[6]- السمعاني: الأنساب، مج4، ص456، الحديثي: ظفار، مدينة نيشابور، ص46-47.
[7]- الإصطخرى: مسالك الممالك، ص145-146.

السبت، 9 أبريل 2011

مدينة سمرقند




تقع سمرقند في بلاد ما وراء النهر وتعد من أقدم مدن العالم، وهي اليوم ثاني مدن جمهورية أوزبكستان في الاتحاد السوفيتي سابقا، وقد كانت عاصمة بلاد ما وراء النهر لمدة خمسة قرون منذ عهد السامانيين إلى عهد التيموريين. وقد أطلق عليها الرحالة العرب اسم "الياقوتة" الراقدة على ضفاف نهر زرافشان. وهي المنافسة التاريخية لبخارى ، وهي العاصمة الرائدة التي أعدها تيمورلنك لتحتل الصدارة في عهده.
ولقد كانت سمرقند وبخارى أهم حاضرتين فيما وراء النهر (الصغد وما وراء النهر) وتقوم سمرقند على الضفة الجنوبية لنهر الصغد (وادي الصغد، زرافشان) في موقع عرف بأنه جنة بحق.

 وقد تعرضت سمرقند عبر تاريخها لويلات وكوارث عديدة كان أهمها :

- تدمير الإسكندر لها عام 329 قبل الميلاد، وكانت تعرف وقتذاك باسم "مرقندا".
- والمرة الثانية التي تعرضت فيها للتدمير كانت في عهد جنكيزخان عام 617هـ / 1220 م.
-أما التدمير الثالث فكان على أيدي الأوزبك حوالي منتصف القرن التاسع الهجري / القرن الخامس عشر الميلادي. وكانت قبائل الأوزبك حتى هذه الفترة لم تعتنق الإسلام.
وقد احتل الإسكندر مدينة سمرقند عدة مرات إبان قتاله مع السبتاميين وسواها بالأرض هذا ما جاء في إحدى الروايات في حين تذكر بعض الروايات أن الإسكندر هو منشئ هذه المدينة.
وكانت سمرقند في عهد القواد الذين تنازعوا ملك الإسكندر بعد تقسيم عام 323 قبل الميلاد تابعة لولاية بلخ بصفتها قصبة الصغد، وقد وقعت في أيدي السلوقيين هي وبلخ عندما أعلن ديودوتس استقلاله، وتأسست المملكة الإغريقية البلخية في عهد أنطيوخس الثاني ثيوس، ومن ثم أصبحت معرضة لهجمات برابرة الشمال.
وغدت سمرقند من ذ لك الوقت حتى الفتح الإسلامي منفصلة عن إيران من الناحيتين التاريخية والاقتصادية وإن ظل التبادل الثقافي بينها وبين البلاد الغربية متصلا. وكانت فتوحات المسلمين لمناطق وراء نهر جيحون قد بدأت منذ عام 46هـ / 667 م، ولم يبدأ المسلمون توغلهم فيما وراء النهر توغلا منتظما إلا بعد أن عين قتيبة بن مسلم واليا على خراسان حيث وجد طرخون حاكما على مدينة سمرقند.
وفي عام 91هـ / 709 م تصالح طرخون مع قتيبة على أن يؤدي الجزية للمسلمين ويقدم لهم الرهائن غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه، وحل محله إخشيذ غورك، واسمه بالصينية أو -لي- كيا، ولكن قتيبة أجبر إخشيد على التسليم في عام 93هـ / 712 م بعد أن حاصر المدينة وقتا طويلا. وقد سمح له بالبقاء على العرش، ولكن أقيم في المدينة وال مسلم ومعه حامية قوية.
وغدت سمرقند هي وبخارى قاعدة للفتوح الإسلامية الأخرى ونشر الإسلام في البلاد، وهو أمر كانت تزعزعه في كثير من الأحيان الفتن التي تثيرها مماحكات الولاة التي أشاعت القلاقل فيما وراء النهر في العقود الأخيرة من عهد الأمويين.
وفي عام 204هـ / 819 م تولى أبناء أسد بن سامان سمرقند بأمر من الخليفة المأمون العباسي ، وظلت منذ ذلك الحين دون أن تتأثر بفتن الطاهرية والصفارية في أيدي بيت سامان إلى أن قضى إسماعيل بن أحمد على سلطان الصفارية عام 287هـ / 900 م، وأسس الدولة السامانية فأتاح بذلك لما وراء النهر قرنا من الرخاء والازدهار لم تر له مثيلا إلا بعد ذلك بخمسمائة سنة أيام تيمور وخلفائه المباشرين. وقد ظلت سمرقند محتفظة لنفسها بالمكانة الأولى بصفتها مركز التجارة والثقافة وخاصة في أنظار العالم الإسلامي حتى بعد أن انتقلت القصبة إلى بخارى.
وقد حكم القراخانية سمرقند بعد سقوط الدولة السامانية (الإلكخانية)، ففي عام 495هـ / 1102 م كان أرسلان خان محمد القراخاني صاحب السلطة على سلجوق سنجر وظلت سلالته قابضة على السلطة إلى أن أصبح القرة خطاي أصحاب الكلمة فيما وراء النهر بعد أربعين سنة، عندما انتصر القرة خطاي انتصارا كبيرا على سنجر في قطوان عام 536هـ / 1141 م.
وفي عام 606هـ / 1209 م هزم خوارزمشاه محمد بن تكش الكورخانية وحاصر جنكيزخان خصم خوارزمشاه المخيف، سمرقند بضعة أشهر بعد أن عبر نهر سيحون في طريقه من بخارى التي دمرها تدميرا تاما. ومن حسن حظ هذه المدينة أنها سلمت في ربيع الأول عام 617هـ / مايو 1220م. وسمح لعدد من أهلها بالبقاء فيها تحت حكم وال مغولي وإن كانت قد نهبت وطرد الكثير من سكانها.
وكانت سمرقند في المائة والخمسين سنة التالية صورة باهتة لما كانت عليه من عز ومكانة. وبدأت المدينة تنتعش عندما أصبح تيمور لنك حوالي عام 771هـ / 1369 م صاحب الكلمة العليا فيما وراء النهر. واختار سمرقند قصبة لدولته الآخذة في النمو باستمرار، وراح يزينها بكل آيات الروعة والفخامة. وقد جمل أولغ بك حفيد تيمور هذه المدينة بقصره المسمى "جهل ستون" كما شيد بها مرصده المشهور.
وقد استولى تيمور لنك على سمرقند لأول مرة عام 906هـ / 1497 م. واحتفظ بها بضعة أشهر، وفي عام 909هـ / 1500 م. استولى عليها منافسه تيمور أوزبك خان شيباني، وبعد وفاة أوزبك تحالف بابر مع إسماعيل شاه الصفوي فأفلح في الظفر مرة أخرى بفتح ما وراء النهر واحتلال سمرقند، ولكنه اضطر في العام التالي إلى الانسحاب انسحابا تاما إلى مملكته الهندية تاركا الميدان للأوزبكيين ولم تكن سمرقند في عهد الأوزبكيين إلا قصبة بالاسم دون الفعل، ذلك أنها قد تخلفت كثيرا عن بخارى.
وقد تقدم الإسلام من هذه البلاد إلى الصين والهند وروسيا ذاتها، حتى إن الأراضي الروسية ظلت خاضعة للسيطرة التترية الإسلامية لمدة ثلاثة قرون، بل كان دوق موسكو يدفع الجزية سنويا لأمير بخارى.
ولكن قياصرة روسيا سرعان ما استردوا هذه المناطق الإسلامية وسقط أول حصن إسلامي وهو حصن آق مسجد في بلاد ما وراء النهر بيد الروس عام 1268هـ / 1852 م.
وفي منتصف القرن السادس عشر وبينما كانت الدولة العثمانية تهدد وسط أوروبا وتزحف إلى إفريقيا وآسيا، كانت روسيا القيصيرية تهاجم المناطق الإسلامية حتى سقطت قازان في منطقة الفولغا، وبعدها دولة خانات ستراخان ثم مملكة سيبير المسلمة في سيبيريا، ثم اتجهت الجيوش الروسية إلى الجنوب إلى تركستان في القرن التاسع عشر. وتساقطت الخانات فيما وراء النهر الواحدة تلو الأخرى، حتى زحف ثمانية آلاف من جيوش الروس نحو سمرقند وعبروا نهر زارافشان في 13 أيار / مايو عام 1868م / 1285 هـ وسيطروا عليها في اليوم التالي، ودخل القائد كاوفمان العاصمة التيمورية القدي مة، وكانت في ذلك الوقت في أيدي مظفر الدين أمير بخارى.
وحين قام النظام الشيوعي عام 1342هـ / 1923 م في روسيا صارت سمرقند ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق حتى انهياره عام 1412هـ / 1991 م فصارت إحدى مدن جمهورية أوزبكستان المستقلة.
من معالم مدينة سمرقند:
اولا الأسوار: كان يحيط بمدينة سمرقند سورا عظيما يفتح منه أربعة أبواب رئيسية:
1- باب الصين :وهو في شرق المدينة، وقد أقيم تخليدا لذكر الصلات القديمة مع الصين الناجمة من تجارة الحرير،
2- باب بخارى:وهو في شمال المدينة،وقد وجدت كتابة بالعربية اليمينة الحميرية عند باب بخارى هذا نصها: "بين المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ وبين بغداد وبين أفريقية ألف فرسخ، وبين سجستان وبين البحر مائتا فرسخ، ومن سمرقند إلى زامين سبعة عشر فرسخا".
3- باب النوبهار:ويقع في جهة الغرب ويشير هذا الاسم إلى معبد قد يكون بوذيا.
4- الباب الكبير أو باب كش: ويقع في الناحية الجنوبية و يرتبط باسم بلدة كش موطن تيمور الأص لي.

ثانيا المساجد:

من أهم معالم سمرقند الأثرية التي تشهد على تاريخ المسلمين في سمرقند المساجد الكثيرة التي حول بعضها إلى متحف لتاريخ الفن والحضارة في أوزبكستان ومن هذه المساجد :
-المسجد الجامع: الذي شيد في أواخر القرن الرابع عشر في شرق ميدان ريكستان، ويطلق عليه اسم مسجد بي بي خانم زوجة تيمورلنك الكبرى. ويذكر بأن تيمورلنك هو الذي وضع أسس المسجد في أعقاب حملته الناجحة على الهند. وفي الجانبين الشمالي والجنوبي من المسجد يقوم مسجدان صغيران لكل منهما قبة تواجه الأخرى.
ولقد اقترن بناء المساجد في سمرقند بالأضرحة فهي تمثل سمة مميزة للمدينة، إلا أن أبرز ما فيها هو الناحية الجمالية التي تتمثل في القباب المزخرفة وهي نموذجا فريدا من الفن الإسلامي المشرقي.
ثالثا منشآت شاه زنده: وهي تتضمن الكثير من المؤسسات والآثار الإسلامية منها:

1-ضريح قثم بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي قيل بأنه استشهد في فتح سمرقند عام 57 هجرية. وأقيم له ضريح على غاية من الروعة والجمال، غير أن تاريخ البناء الموجود حاليا يعود لعام 753 هجرية، وهو قد يكون تاريخ تجديد الضريح، ويضم الضريح ثلاث قاعات ومسجد وغرفة للعبادة والاعتكاف.
ولقد تحول شاه زنده بعد ذلك إلى مجموعة من الأضرحة والمنشآت الدينية. وكان ذلك كفيلا بأن يوفر للأضرحة المقامة حول ضريح قثم وللمساجد أسبابا عديدة للعناية بها والإنفاق الكثير عليها، جعلت منها قطعا فنية رائعة، واجتمعت لأج لها قدرات أمهر الفنانين والبنائين في عهد تيمورلنك وبعده، حتى أصبحت مجموعة "شاه زداه" من أهم التراث المعماري الفريد في آسيا.
2-ومن المنشآت المميزة في منطقة " شاه زنده " مجموعة كاملة من المباني أنشئت بأمر من الأميرة " ترمان آقا " زوجة تيمورلنك، وتضم مسجدا (خانقاه) وضريح "ترمان آقا" الذي لا يقل روعة وجمالا عن أي ضريح آخر في " شاه زنده " بل ويزيد عليها جميعا ببوابة مكسوة بالفسيفساء ليس كمثلها بوابة أخرى. كما تضم هذه المجموعة حجرة متوسطة للخدمة.

رابعا الاضرحة :

 1- ضريح الإمام البخاري الواقع في ضاحية سمرقند عند مشارف قرية باي أريق حيث دفن هناك بعد وفاته في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي عن اثنين وستين سنة، وذلك بعد هجرته من بخارى، ودفن إلى جواره عدد من علماء بخارى... وقد أقيم بالقرب من ضريحه قبل سنوات قليلة مسجد حديث في أواخر السبعينات من هذا القرن.
 2- قبر تيمورلنك، حيث يتميز بقبته الباهرة التي تعلو الضريح. وهي قبة فيروزية مضلعة ومكسوة بكم هائل من زخارف الفسيفساء. ويسمى هذا الضريح باسم كور أمير أو مدفن خلفاء الأمير تيمور. وكور أمير يطلق أيضا على مجموعة من المباني المرتبطة باسم حفيد تيمور المعروف باسم محمد سلطان وتضم هذه المجموعة مدرسة خانقاه، والضريح الملحق بالمسجد، ومبان عديدة تطل على مئذنة من كل ركن فيها. كما يتميز البناء بوجود حجر المرمر الرمادي السداسي الشكل وهو حجر العرش الذي لا يزال يطلق عليه الاسم التقليدي له "كوك طاش".
 3- ضريح " طوغلوتكين " إحدى الأميرات المغوليات. وإلى جواره ضريح آخر عرف باسم " أمير زاده ". وبجانبه مصلى صغير اسمه "زيارة خانه" غطيت جدرانه بنقوش كثيفة تلمع رغم الظلام النسبي الذي يسود المكان. وهناك ضريح هام بمثابة تحفة معمارية وفنية هو ضريح الأميرة شيوين بيكه آقا شقيقة تيمورلنك. كما يوجد ضريح آخر لشقيقة أخرى لتيمورلنك هي الأميرة تركان آقا.

 4- توجد أيضا مجموعة من الأضرحة تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي عندما اختار تيمورلنك سمرقند عاصمة له.
خامسا الأسواق:

اشتهرت سمرقند عبر التاريخ بالعديد من المنتجات الوطنية مثل المنسوجات والسجاد، إلا أن أشهر ما عرفت به سمرقند هو ((الورق السمرقندي)) وقد نقلت سر صناعته عن الصين. ولهذا الورق شهرة خاصة تميزت بها سمرقند عبر التاريخ. ولقد بدأت هذه الشهرة عندما قام أهل إقليم بخارى بثورة في عهد أبي مسلم الخراساني فبعث بحملة قوامها عشرة آلاف رجل بقيادة زياد بن صالح حيث قضى على الثورة في مدينة بخارى واستمر في زحفه إلى أن أخضع أيضا ثورة سمرقند التي كان الصينيون يساندون الثوار فيها ضد العرب المسلمين وقد وقع الكثير من الصينيين في الأسر وخيروا بين الرق أي العبودية وبين الحرية إذا علموا المسلمين حرفة فآثروا العتق وعلموا المسلمين من بين ما علموهم صناعة الورق ومع مضي الزمان تقدمت هذه الصناعة باستخدام الكتان والقطن في صناعة الورق الأبيض الناعم الجميل الذي وجد سوقا رائجة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة في عاصمة الدولة العباسية بغداد فالورق صفحة من صفحات الفخر للإسلام والمسلمين فالورق كان معروفا في جنوب شرق آسيا إلا أن العالم لم يعرفه سوى بعد أن تعلمه المسلمون وانتقل من بلادهم إلى العالم كله.
وقد أنشئ أول مصنع للورق في بغداد حاضرة الخلافة العباسية بعد نصف قرن من إقامة مصانع الورق في سمرقند. وقد ازدهرت هذه الصناعة في سمرقند أيما ازدهار ثم بدأ الصراع بين الورق المصري الذي كان يطلق عليه القراطيس أو القباطية وبين ورق سمرقند الذي كان يطلق عليه الكاغد أو الرقوق الرومية. ولكن الكاغد السمرقندي تفوق على كل هذه الأنواع ولاقى رواجا عظيما حتى عطلت قراطيس مصر والجلود التي كان الأوائل يكتبون عليها.
المكانة العلمية :
تميزت سمرقند على مر العصور بالعديد من المدارس التي تدل على مدى اهتمام أهلها بالعلم كما تدلنا على الحالة العلمية التي كانت عليها هذه المدينة.
المدارس: من أهم مدارس سمرقند التاريخية في قلب ميدان ريكستان ثلاث مدارس هي:
 1-مدرسة أولغ بك: ذات واجهة مهيبة وعالية، وتنتصب حول بوابتها مئذنتان عاليتان ، وتظهر قبة في ركن جانبي، والكل حافل بالنقوش ال بديعة. وكانت المدرسة تضم ( 50 ) غرفة للدراسة والإعاشة ويدرس بها حوالي مائة طالب ثم ازداد العدد إلى أكثر من ذلك وكان المبنى يشتمل على طابقين وأربع قباب عالية فوق قاعات الدراسة الركنية (درس خانه). وكان أولغ بك قد تولى بنفسه التدريس في هذه المدرسة.
 2- مدرسة شيرا دار: كانت في الأساس زاوية للصوفيين ومسجدا لهم ثم أقام حاكم سمرقند في المكان ذاته هذه المدرسة العظيمة الموجهة لمدرسة أولغ بك. ولكن الناظر إلى واجهتها لا يظنها مدرسة نظرا للفخامة والعظمة والروعة المعمارية التي تتميز بها لا سيما بابها وقببها والمنارتان اللتان انتصبتا بشموخ على مداخلها.
3- مدرسة طلا كاري فيعود تاريخها إلى عام 1056هـ / 1646 م. وهي المدرسة الذهبية الفخمة التي تمثل المضلع الثالث في ميدان ريكستان، ويلاصقها المسجد. وهي تتميز بفن معماري جذاب وبثروة في الألوان والزخارف.
وقد توقفت هذه المدارس الدينية والعلمية عن رسالتها الإسلامية بعد أن تحولت منذ عام 1336هـ / 1918 م إلى مبان أثرية سياحية وذلك بعد الاجتياح الروسي الشيوعي والذي كان يريد أن يمحو كل ما هو ذو صلة بالدين محاولة منه في سلخ أهل هذه البلاد عن هويتهم الإسلامية.
العلماء: ينتسب إلى سمرقند جماعة من أهل العلم نذكر منهم:

- الفقيه أبا منصور الماتريدي: وهو نسبة إلى حي ما تريد أو ما تريب أحد أحياء سمرقند وكان له أثر حاسم في تطور الفقه السني بالمشرق.
- الفقية محمد بن عدي بن الفضل أبو صالح السمرقندي، نزيل مصر سمع بدمشق أبا الحسن الميداني، وجماعة غيره، وروى عنه أبو الربيع سليمان بن داود ابن أبي حفص الجبلي، وجماعة غيره.
-الفقية أحمد بن عمر أبو بكر السمرقندي، سكن بدمشق وقرأ القرآن وأقرأه، وكان يكتب المصاحف من حفظه.
ومن أعلام سمرقند:

-صاحب التفسير المعروف بتفسير العياشي، وهو محمد بن مسعود السمرقندي، وكان من المحدثين والأطباء والنجوميين، ومن أعلامها أيضا علاء الدين السمرقندي. ومنهم نجيب الدين السمرقندي، وكان طبيبا معاصرا لفخر الدين الرازي، وقتل بهراة لما دخلها التتار. ومنهم شمس الدين السمرقندي العالم والمنطقي والفلكي والأديب.
-ومن علمائها المتأخرين أبو القاسم الليثي السمرقندي. وكذلك الفلكي المشهور قاضي زاده الرومي أستاذ أولغ بك الذي كان أحد أبرز الفلكيين في العالم خلال العصور الوسطى.

الخميس، 31 مارس 2011

مدينة بخارا


التعريف بمدينة بخارا وموقعها
- معنى كلمة بخارا :-
إختلف المؤرخون فى أصل هذه التسمية حيث ذكر بارتولد فى دائرة المعارف الإسلامية مادة بخارا أنها من بخر وهى صيغة تركية مغلية للكلمة السنسكريتية " فهارى " ومعناها صومعة أو دير , وذكر أيضا أنه كان للبوذيين معبد فى بخارا أو فى ما جاورها من المدن .أما لغة الذند فقد ورد فيها لفظ بخار بمعنى "الحكمة والعلم" . ويدلنا هذا أن بخارا لم تكن فى الأصل اسم علم لذلك المكان ولكنها صفة , وليس من المستبعد أن يكون للمجوس فى تلك البقعة معبد يختلفون اليه للعبادة والعلم ومناقشة المسائل الدينية ويقوى هذا المعني أن كلمة "  بهار " وهى قريبة من بخار معناها معبد البوذيين . وعلى هذا تتفق التفسيرات جميعها فى أصل معنى كلمة بخارى وبتقدم الزمن أهمل الناس اسم المكان الأصلى واكتفو بصفته وبقيت لنا بخارا وذال الاسم القديم.([1]) وقد ذكرأحمد بن محمد بن نصر فى تهذيب كتاب النرشخى أن أسماء مدينة بخارا كثيرة حيث ذكرها فى كتابه باسم نيمجكث وعاود ذكرها فى موضع آخر باسم بموسكت.([2])

- موقع مدينة بخارا :-
تقع مدينة بخارا فى منطقة الصغد الواقعة ضمن إقليم ما وراء النهر وتعتبر مدينة بخارا  من أكبر مدن إقليم الصغد . ويحد إقليم ما وراء النهر من الشرق التبت ومن الجنوب خرسان ومن الشمال والغرب قبائل تركية تعرف بأسم الأتراك الغزية والأتراك الخرخلية .([3]) ومدينة بخارا – بومجكث- من أجمل مدن إقليم الصغد فيما وراء نهر جيحون وتقع على المجرى الأسفل لنهر زرافشان يصفها ياقوت الحموى بأنها كثيرة البساتين واسعة الفواكه ليس بما وراء النهر وخرسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم منهم.([4]) وتميزت مدينة بخارا من بين مدن ما إقليم وراء النهر بجمالها وخضرتها حيث ذكر الإصطخرى أنه لم يرى فى الإسلام بلد أحسن خارجاً من بخارا لأنك إذا علوت قلعتها لم يقع بصرك من جميع النواحى الاّ على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء . ويحيط ببخارا وقراها ومزارعها سور قطره عشرة فراسخ فى مثلها كلها عامرة ولها مدن داخل حائطها وخارجاَعنه فأما داخله فتوجد مدن "الطواويس وبمجكث وزندبه ومغكان وخجارة"وخارجه توجد مدن "بيكند وفربر وكرمينية وخديمنكن وخرغانكث ومديامجكث.([5])

مدينة بخارا تحت الحكم الإسلامي

بدأ إحتكاك المسلمون بمنطقة ما وراء النهر إثر إنتصارهم على الفرس ودخولهم بلدانهم وخصوصاً أثناء تعقبهم ليزدجرد بعد هزيمته عند بلخ وفراره وعبوره للنهر.([6]) وبعد سيطرة المسلمون على بلاد إيران إتخذو خرسان قاعدة لهم فى هذه البلاد وأخذوا ينطلقون منها للغزو والسيطرة على المناطق المحيطة , ومن هذه المناطق التى تعرضو لها منطقة ما وراء النهر التى رغب المسلمون فى ضمها لنشر الإسلام بها ولتوسعة الرقعة الإسلامية وذلك إلى جانب غناها وثرائها . ومن هنا أخذ المسلمون فى العمل على فتح هذه المناطق ففى سنة 53هـ /672م سار عبيد الله بن زياد إلى خرسان وفتح ما اعترصه من البلاد حتى وصل إلى بخارا وهناك لقى الترك وهزمهم فبعثت اليه ملكة بخارا " خوند خاتون " تطلب الصلح والأمان فصالحها على ألف ألف درهم ودخل المدينة وفتح رامدين وبيكند.([7]) ولمّا تولى سعيد بن عثمان إمارة خرسان سنة 56هـ/ 675م عبر نهر جيحون واتجه إلى بخارا التى تجمعت فيها الجيوش بقيادة الملكة خوند خاتون فهزمهم وأراد غزو سمرقند فطلب من الملكة أن تقدم له رهائن تأكيداً على حسن نيتها فقدمت اليه ثمانين شخصا من دهاقنة وأمراء بخارا . وبعد فراغ سعيد من امر الفتوحات فى سمرقند والصغد وأثناء عودته الى قاعدته خرسان طلب منه البخاريون العودة الى بلادهم وعندما ارجأ ذلك الامر اكثر من مرة وفقد البخاريون الامل فى العودة الى بلادهم هجمو عليه في قصره فقتلوه وانتحرو . وتولى بعده إمارة خرسان مسلم بن زياد الذى سار شرقاً حتى عبر جيحون لملاقاة الملكة التى تجمعت حولها الجيوش مرة اخرى فهزمهم وقضى عليهم . واستمر الامر هكذا بين الثورات من جانب الاتراك واخمادها من جانب امراء خرسان الى ان تولى امارة خرسان قتيبة بن مسلم سنة 86 هـ فقام بحملات عديدة على هذه المناطق حتى استطاع ان يضمها ضم مباشر الى حوزة المسلمين وبذلك دخلت مدينة بخارا تحت الحكم الاسلامى المباشر وانتشر الاسلام بها ودخل اهلها فى الاسلام .([8]) وخلال العصر العباسى شهدت الساحة السياسية ببخارا تطورات مهمة حيث كانت خلال العصر العباسى الأول تابعة لإمارة خرسان وما وراء النهر تبعية مباشرة وذلك بسب قوة الخلافة العباسية فى ذلك الوقت وسيطرتها على غالبية أقاليم العالم الإسلامى واستمرت بخارا على هذا الوضع حتى نهاية العصر العباسى الأول (132-232هــ ) حيث بدأت قوة الخلافة تضعف وتتفلت الأقاليم التابعة لها وتنفصل ومن هذه الأقاليم إقليم ما وراء النهر والذى ضمنة مدينة بخارا حيث بدأ كل حاكم يستقل بولايته وبدأ النزاع والتناحر بينهم , حتى وصلت الدولة السامانية الى سدة الحكم وسيطرت على بخارا .

مدينة بخارا تحت الحكم الساماني
بعد سقوط دولة الطاهريين سادت مدينة بخارى الإضطرابات والفتن نتيجة للفراغ السياسى الذى ساد فى البلاد وعدم توفر الأمن للسكان وانتشار أعمال السلب والنهب , وفى أوائل سنة (260هـ - 874 م) استولى الحسين بن طاهر الطائى على مدينة بخارا حيث عاث فيها جنوده الخوارزميين فساداً ونتيجة لذلك ثار عليهم الأهالى وحاصرو الحسين بن طاهر فى قصره مما إضطره للهرب ليلا . فتجددت الفتن والقلاقل مرة أخرى فاجتمع الأعيان وأهل العلم فى مدينة بخارا وعلى رأسهم الفقيه أبو عبدالله بن أبى حفص واتفقوا على أن يكتبوا الى ( نصر بن أحمد ) الذى كان الخليفة العباسى المعتمد قد ولاه بلاد ما وراء النهر , يلتمسون منه أن يرسل اليهم من يضبط الأمور فى بخارا , فبعث اليهم بأخيه إسماعيل بن أحمد الذى دخل بخارا فى أول جمعة من رمضان سنة ( 260هـ - 874 م ) وقرئت الجمعه بأسم نصر بن أحمد وأخيه إسماعيل بعد إسقاط إسم يعقوب بن الليث الصفار .([9])  وهكذا تمكن أسماعيل بن أحمد من السيطرة على مدينة بخارا .
ولقد واجه إسماعيل بن أحمد فى بداية حكمه لمدينة بخارا كثيراً من المتاعب والتى نتجت عن الفتن التى كانت ما زالت مستمرة ولكنه استطاع أن يتغلب على كل الصعوبات التى واجهته فأخمد هذه الفتن وعمل على نشر الأمن فى المدينة , كما أنه استطاع التصدى للإعتدائات الخارجية والتى منها محاولة الحسين بن طاهر من معاودة السيطرة على مدينة بخارا مرة أخرى , ولذيادة التحكم فى المدينة والسيطرة عليها عمل على التخلص من زعمائها وكبرائها وذلك بإبعادهم عنها وذلك عن طريق إرسالهم الى أخيه نصر بن أحمد للتحفظ عليهم لديه الى حين احكام قبضتة على المدينة وبعد ذلك أعادهم الى المدينة مرة أخرى .
كان إسماعيل بن أحمد يحكم بخارا تحت ولاية نصر بن أحمد صاحب بلاد ما وراء النهر وكانت العلاقة بينهما جيدة حتى سار أهل السوء بينهما بالدسيسة فأوقعوا بينهما , ووصل الأمر بين الأخوين حدا جعل كل منهما يجيش الجيوش ويذهب لقتال أخيه , وكان الأمير نصر قد جعل على أخيه خمسمائة ألف درهم سنوياً من أموال بخارى وأرسل يطلب هذه الأموال فتعلل إسماعيل بإنفاق الأموال على حروبه وإصلاحاته فى بخارا ولم يقتنع الامير نصر بهذا التعليل وأرسل مرة ثانية يطلب الأموال فلم يرسل اليه إسماعيل شيئاً فظهرت بينهم بوادر الشقاق والوحشة بالإضافة الى بعض الأسباب الأخرى التى دسها الوشاة بين الأخوين . الأمر الذى جعل الصدام بينهما يقع لامحالة وذلك فى يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ( 275 هـ/888 م ) الذى أسفر عن انتصار إسماعيل ووقوع أخيه نصر فى الأسر إلاّ أن أواصر الأخوة غلبت على إسماعيل حيث أكرم أخيه وردة معززاً مكرماً الى سمرقند , وقال له إنه سيبقى فى بخارا نائباً عنه كما كان ولن يتجاوز طريق تبعيته وطاعته . وبعد ذلك بنحو أربع سنوات ولست بقين من جمادى الأولى سنة ( 279 هـ / 892 م ) مات الأمير نصر بن أحمد وخلفه أخوه الأمير إسماعيل على جميع أعمال ما وراء النهر. ([10]) وقد بدأ إسماعيل بن أحمد حكمه بنقل العاصمة من سمرقند الى بخارا ومنذ ذلك الوقت استمرت مدينة بخارا هى العاصمة للدولة السامانية حتى نهايتها سنة999م
بعد وفاة الأمير إسماعيل بن أحمد خلفه من بعده ابنه أبوالنصر أحمد بن إسماعيل ( 292 – 301 هـ / 907 – 914 م ) وظلت العاصمة فى عهده بخارا حتى قتل ودفن بها . فخلفه من بعده ابنه أبوالحسن نصر بن أحمد السامانى وكان صغير السن حيث كان يبلغ من العمر ثمانى سنوات وقد استصغره الناس واستضعفوه وطمع فى ملكه الطامعون من الولاة والعمال فى مختلف أقاليم الدولة حتى أمراء البيت السامانى الذين ارسلو الى الخليفة المقتدر بالله يطلب كل واحد منهم ناحية من نواحى إقليم خرسان , إلا أن الخليفة المقتدر بالله أقر الأمير نصر بن أحمد على ملك أبيه وقد نجح الأمير نصر فى دحر جميع الخارجين عليه بمعونة كبار رجال دولته وإخلاصهم وبلغت الدولة السامانية فى عهده أوج ازدهارها ونتيجة لميل الأمير نصر الى المذهب الشيعى وخوفه من القتل على أيدى كبار رجال البلاط فقد تنازل عن الحكم لإبنه الأمير نوح , وقد توفى الأمير نصر فى جمادى الآخرة سنة ( 331 هـ /943 م ) وقد بلغت الدولة السامانية فى عهده أقصى اتساع لها ويعتبر من أشهر الأمراء السامانيين بسبب كثرة الأحداث فى مدة حكمه والتى بلغت ثلاثين عاماً .
وكان خلفه الأمير نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل ( 331 – 343 هـ / 943 – 954 م) الذى تولى من بعده قد بدأت النزاعات فى عهده ومن بينها النزاع الذى دار بين السامانيين والبويهيين حيث نجح فى إيقاع الهزيمة بهم وسيطر على مدينة الرى وفى التاسع من ربيع الآخر سنة ( 343 هـ / 954 م ) مات الأمير نوح بن نصر وتولى من بعده ابنه الأمير عبد الملك بن نوح ( 343 – 350 هـ / 954 – 961 م ) والذى أخذت مظاهر ضعف الدولة السامانية تتضح فى عهده بشكل كبير حيث ظهرت النزاعات بين البلاط السامانى , وفى شوال سنة ( 350 هـ / 961 م) سقط الأمير عبد الملك من فوق جواده ومات فى نفس الليلة. وتولى الحكم من بعده منصور بن نوح بن أحمد بن إسماعيل ( 350 – 366 هـ / 961 – 977 م) ويعتبر عصره هو بداية النهايه للدولة السامانية وذلك بسبب الدور الذى لعبه رجال القصر والقواد فى الأحداث على الساحة السياسية , وفى منتصف شوال سنة ( 366 هـ / 977 م ) مات الأمير منصور بن نوح فى بخارا , فخلفة من بعده ابنه الامير نوح الثانى بن منصور ( 366 -387هـ /977 – 997 م) والذى تولى الحكم وعمره ثلاثة عشر عاما وفى عهده بلغت الخلافات بين كبار رجال البلاط والوزراء والقواد أوجها واحتدمت الصراعات لدرجة إستعانة بعضهم بالقوى الخارجية المتربصة بالدولة , فاستعان أحدهم ببغراخان الذى بدأ فى السيطرة على أملاك السامانيين شيئا فشيئا حتى دخل مدينة بخارا وتعتبر هذه هى أول مرة تخرج مدينة بخارا من تحت السيطرة السامانية ولكن تمكن الأمير نوح من إستعادة المدينة مرة أخرى ولقد إستعان الأمير نوح بالزعيم الغزنوى سبكتكين وذلك لمساعدتة على إخماد الفتن التى كانت مشتعلة فى البلاد السامانية .
 وقد فتحت استعانة قواد السامانيين المتمردين بخانات الترك واستنجاد الأمير نوح بسبكتكين الباب أمام الترك والغزنويون للدخول الى بلاد ما وراء النهر وخرسان حيث كانت نهاية دولة السامانيين على أيديهما . وفى الثالث والعشرين من رجب سنة ( 387 هـ / 997 م ) توفى الأمير نوح بن منصور فتولى من بعده ابنه الامير أبوالحارث منصور والذى كان حكمه صوريا وانتهى حكمه عندما اتفق قادته على خلعه وثملوا عينيه وذلك فى الثانى عشر من صفر ( 389 هـ / 999 م ).([11]) وتم إعلان أخيه أبو الفوارس عبد الملك خلفا له ويعتبر هذا التاريخ هو النهاية للدولة السامانية حيث لم تفلح محاولات أمراء البيت السامانى لإستعادة السيطرة على بخارا وأملاكهم مرة أخرى والتى استمرت حتى سنة( 395 هـ / 1005 م ) وبإنقضاء دولة السامانيين ينقضى عصر بخارا الزاهر ولكن تحتفظ بخارا بمكانتها فترة من الزمن تأخذ بعدها فى الضعف التدريجى حتى تأتيها الضربة القاضية فى مطلع القرن السابع الهجرى على يد المغول إذ نالها فى ذلك الوقت ما نال غيرها من مدن العالم من التخريب على يد هؤلاء المتوحشين.([12])


[1] - د/ طه ندا , مقال بعنوان "بخارا" , مجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية , العدد التاسع عشر     1965 م , مطبعة جامعة الإسكندرية 1966 م , ص 37 .
[2]  -  د / محمد سالم بن شديد العوفى , مقال بعنوان (دراسة حول "كتاب تاريخ بخارى" لأبى بكر محمد بن جعفر النرشخى "286 – 348 هـ / 959 م" )  , مجلة العصور , المجلد الرابع , الجزء الثانى , يوليو 1989 م / ذو القعدة 1409 م , دار المريخ للنشر لندن  , ص 292 .

[3] - شعبان عباس قناوى , مسكوكات الدولة السامانية "279 – 389 هـ / 893 – 999 م" رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة جنوب الوادى , كلية الآداب بسوهاج , قسم الآثار الإسلامية 2000 م , ص 9 , 10 .

[4]   -  د / محمد سالم العوفى , المرجع السابق , ص 288 .
[5] - أبى إسحاق إبراهيم بن محمد الفارس الإصطخرى المعروف بالكرخى , مسالك الممالك  , إيران , ازنتشاارات كتابخانه صدر , ص 313 , 314 , 293 , 294 .

[6] -  أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى 224 – 310 هـ  , تاريخ الرسل والملوك  , تحق محمد أبو الفضل إبراهيم , الجزء الرابع  , دار المعارف , حوادث سنة 22 هـ , ص 166 – 169 .

[7] -  أحمد بن يحى بن جابر البغدادى  , فتوح البلدان , شركة طبع الكتب العربية 1319 هـ / 1901 م , الطبعة الأولى , ص 417 .
[8]  -  الطبرى  , تاريخ الرسل والملوك  , الجزء السادس  , الطبعة الثانية , ص 439 – 442 .
    -   د / طه ندا  , بخارا , ص 38 -  42 .

[9]  -  الطبرى  , سابق, الجزء العاشر  , الطبعة الثانية  , ص 147 .
    -  شعبان عباس قنارى  ,  مسكوكات الدولة السامانية  , ص 23 . 
[10]  -  الطبرى ,  تاريخ الرسل والملوك  ,  ص 148 .
  -  د /  حسين أمين  , الدولة السامانية  , مجلة المؤرخ العربى , العدد الخامس عشر 1980 م ,  بغداد , العراق , ص 8 .
   -  شعبان عباس قناوى , مسوات الدولة السامانية , ص 24 – 25 .
[11]  -  شعبان عباس قناوى , مسكوكات الدولة السامانية  , ص 26 – 55 .
    -  د/ حسين أمين , الدولة السامانية , ص 9 – 12 .

[12]  -  د / طه ندا , بخارا , ص 96 .